كتبت.. نانسي ذكي
ريا وسكينة من أكثر القضايا التي شغلت الرأي العام بين عامي 1921,1919، هناك العديد من الروايات حول الحقيقة، منهم من أكد إنهما قتلوا ستات ومنهم من أكد إنهما قتلوا الإنجليز.
نشأت ريا وسكينة
ولدت ريا في قرية الكلح التابعة لمركز إدفو بمحافظة أسوان عام 1875، بينما ولدت سكينة في كفر الزيات في عام 1885.
توفي والدهما في سن صغير، ثم انتقلت الأسرة إلى بني سويف ثم كفر الزيات حيث كانت تعمل الشقيقتان في جمع القطن.
تزوجت”ريا” من حسب الله سعيد مرعي وأنجبت منه طفلة تدعي”بديعة”، ثم انتقلت سكينة مع زوجها الجديد إلى الإسكندرية لتقيم في حي اللبان نحو عام 1913.
لحقتها فيما بعد أختها ريا، وتزوجت سكينة من محمد عبد العال الذي كان جارهم في ذلك الوقت.
محطات حياتهم
تعرضوا لأزمات كثيره في حياتهم،كانت منهم جزء كبير بسبب ظروف البلد و إحتلال مصر في تلك الفترة.
كانوا يعانون دائما من الفقر وضيق المعيشة، حيث انتقلوا إلى أكثر من مكان، كانوا في الصعيد ثم كفر الزيات و الإسكندرية.
سبب ارتكابهم هذه الجرائم
مع الظروف الاقتصادية الطاحنة التي واجهت المنطقة أثناء الحرب العالمية الأولى و انتشار البطالة والفقر.
اتجهت الأسرة للأعمال غير المشروعة والدعارة السرية، ثم بدأو التفكير في سرقة المصوغات الذهبية من السيدات ثم دفنهن بشكل خفي ولا يترك أي أثر.
بدأ نشاط العصابة عندما كانت الشقيقتان تقومان في البداية بإغراء وخدع الضحية بالكلام المعسول.
حتى تنالا ثقتها ثم تسقيانها خمر قوية المفعول تؤدي بها إلى السكر والثمالة فتفقد القدرة على التركيز والقوة على المقاومة.
من ثم يتخذ كل فرد من أفراد العصابة دورا في عملية قتل الضحية عن طريق كتم أنفاسها، وكان المتهم محمد عبد العال أول من أضاف إلى التحقيق تفاصيل كيفية قتل ودفن الضحايا.
حيث أكد أنهم كانوا يقوموا بتثبيت رأس الضحايا لكتم أنفاسها بمنديل مبلل بالماء حتى تلفظ أنفاسها الأخيرة.
الضحية كانت تفارق الحياة، حتى يجردونها من حليها ومصوغاتها الذهبية، وملابسها، ثم يقومون بدفنها في نفس المكان الذي قتلت فيه.
كانت الشقيقتان تبيعان الذهب المسروق إلى أحد الصاغة في السوق ثم تقتسمان ثمنه مع بقية أفراد العصابة.
إكتشاف الجرائم
بدأت الشرطة في القيام بالتحريات نظراً لوجود بلاغات عن اختفاء سيدات في الإسكندرية، البداية كانت في منتصف يناير 1920، حين تقدمت السيدة”زينب حسن” البالغة من العمر 40 عام ببلاغ إلى حكمدار بوليس الإسكندرية عن اختفاء ابنتها”نظلة أبو الليل.
كانت من أبرز الأسباب انتشار ظاهرة هروب السيدات، من عائلاتهن في ذلك الوقت بسبب الفقر ،والعشق.
وهو ما يبرر أن احتمال اختفاء الشخص لتلك الأسباب واستبعاد فكرة القتل والخطف.
عدم وجود أي أوراق هوية وقتها، وهو ما يصعب من مسألة العثور على الأشخاص المختفين.
كانت الشقيقتين يستدرجن السيدات التى لها صلة مسبقة بهن أو يستطعن كسب ثقتهمن، لذلك كانت الضحية تدخل المنزل بإرادتها بدون إبداء أي ضجيج أو شكوك.
الشرطة كانت لم تشك مطلقاً في كون المجرمين من السيدات، لذلك تركزت التحريات عن المشتبه فيهم من الرجال ولم يفكر أحد أو يشك مطلقاً في كونها عصابة نسائية.
كذلك كان أعضاء العصابة من الرجال لم يشاركوا في عمليات الاستدراج والتى كانت بالأحرى من تخصص ريا وسكينة فقط.
استمر نشاط العصابة في استدراجالضحايا وقتلهن حتى وصلت إلى 17 سيدة، إلى أن تم اكتشاف جرائمهما عن طريق الصدفة.
كانت البداية صباح 11 ديسمبر عام 1920 حينما تلقي اليوزباشي إبراهيم حمدي نائب مأمور قسم اللبان بالإسكندرية.
حيث استقبل إشارة تليفونية من عسكري الدورية بشارع أبي الدرداء، بالعثور على جثة امرأة بالطريق العام.
تؤكد الإشارة وجود بقايا عظام، وشعر رأس، طويل بعظام الجمجمة، وجميع أعضاء الجسم منفصلة عن بعضها.
ثم يتقدم رجل ضعيف البصر اسمه”أحمد مرسي” ببلاغ إلى الكونستابل أثناء قيامه بالحفر داخل حجرته، فؤجي بالعثور على عظام آدمية فأكمل الحفر حتى عثر على بقية الجثة التى دفعته للإبلاغ عنها فورا.
حيث قام ملازم أول من قسم اللبان أمام البلاغ ويري الجثة بعينيه، فيتحمس أكثر لتحقيق والبحث في القضية المثيرة.
ويكتشف في النهاية أنه أمام مفاجأة جديدة أن البيت كان يستأجرة رجل يدعي”محمد السمني”، ومن بين هؤلاء الذين استأجروا من الباطن في الفترة الماضية سكينة.
أكدت التحريات أن سكينة تركت الغرفة مرغمة بعد طرد صاحب البيت، بحكم قضائي المستأجر الأصلي، وحاولت العودة إلى استئجار الغرفة بكل الطرق والإغراءات لكن صاحب البيت رفض ذلك، مما دفع الضابط للشك في سكينة.
بعد ظهور الجثتان المجهولتان لاحظ أحد المخبريين السريين المنتشرين في كل أنحاء الإسكندرية، بحثا عن أية أخبار تخص اختفاء النساء.
لاحظ هذا المخبر الذي كان يدعي”أحمد البرقي”، انبعاث رائحة بخور مكثفة من غرفة ريا بالدور الأرضي في منزل بشارع على بك الكبير.
عندما سأل المخبر ريا عن سر هذا الكم من البخور، كانت مرتبكه جدا وفي حالة الإرتياب، فاشك المخبر وأسرع إلى اليوزباشي”إبراهيم حمدي” ليبلغه شكوكه في ريا وغرفتها.
على الفور تنتقل قوة من ضباط الشرطة والصولات إلى الغرفة، ووجدوا صندرة من الخشب تستخدم للتخزين ويأمر الضابط بإخلاء الحجرة ونزع الصندرة.
فيكتشف الضابط أن البلاط الموجود تحت الصندرة مختلف عن باقي بلاط الأرضية، فيأمر بنزع البلاط وعند نزعها تصاعدت رائحة العفن بشكل لا يحتمله إنسان.
ثم يتم نزع أكبر كمية من البلاط فتظهر جثة امرأة، بينما تصاب ريا بالهلع ويزداد ارتباكها.
بينما يأمر الضابط باستكمال الحفر والتحفظ على الجثة حتى يحرر محضرا بالواقعة في القسم، يصطحب ريا معه إلى قسم اللبان لكنه لا يكاد يصل إلى بوابة القسم.
حتى يتم إخطاره بالعثور على الجثة الثانية، حيث عثروا على ختم حسب الله الذي سقط منه وهو يدفن إحدى الجثث.
لم تعد ريا قادرة على الإنكار خاصة بعد وصول بلاغ جديد إلى الضابط من رجاله بالعثور على الجثة الثالثة، تضطر ريا إلى الاعتراف بأنها لم تشترك في القتل.
لكن هناك رجال يأتون الغرفة مع نساء وأنهم ارتكبوا الجرائم أثناء غيابها، وحددت الرجلين بأنهما عرابي وأحمد الجدر.
ثم تأمر النيابة بالقبض على كل من ورد اسمه في البلاغات الأخيرة، خاصة بعد أن توصلت أجهزة الأمن لمعرفة أسماء صاحبات الجثث التى تم العثور عليها في منزل ريا.
ثم وصلت تحريات أخري تأكد أن ريا كانت تستاجر حجرة بحارة النجاة، مما أدى إلى إنتقال القوات إلى العنوان وإخلاء الحجرتين ويتم اكتشاف جثث جديدة.
ينطلق الضباط إلى بيوت جميع المتهمين ويتم القبض عليهم، حيث عثر قوة من المباحث على مصوغات وصور وكمبياله في بيت المتهم عرابي حسان، ثم تصل معلومة أن ريا كانت تسكن في بيت آخر بكرموز وعندما تم الحفر فيه تم اكتشاف جثة امرأة جديدة.
كان أقوى الأدلة هو العثور على جلبان نبوية في بيت سكينة، أكدت بعض النسوة من صديقات نبوية أن الجلباب يخصها.
واعترفت سكينة أنه جلباب نبوية ولكنها قالت أن العرف السائد بين النساء في الحي هو إنهم يتبادلن الجلاليب.
التحقيق في الواقعة
كانت ريا أول من قرر الإعتراف مبكراً، التي أقرت أنها امرأة ساذجة وأن الرجال كانوا يأتون إلى حجرتها بالنساء أثناء غيابها، ثم يقتلون النساء قبل حضورها.
وأنها لم تحضر سوى عملية قتل واحدة، أنفردت النيابة بأكبر شاهدة إثبات في القضية وهى”بديعة” إبنة ريا، حيث طلبت الحصول على الأمان مقابل الاعترافات خوفاً من انتقام خالتها سكينة منها.
فاعترفت بديعة بوقائع استدراج النساء إلى بيت خالتها، حيث يقوموا الرجال بذبحهن ودفنهن، وكانت بديعة تحاول أن تخفف دور أمها ريا على حساب خالتها سكينة.
بينما تروي سكينة في باقي اعترافاتها، كانت تؤكد أن أختها ريا هى التي ورطتها في المرة الأولى مقابل ثلاثة جنيهات، بعد ذلك كانت تحصل نصيبها من كل جريمة.
كانت القضية قد شغلت الرأي العام في مصر، وتصدرت أخبار القبض على المتهمين عناوين الصحف وعلى رأسها جريدة الأهرام، ولكن لم تمر تحقيقات القضية بسهولة لعدم وجود أدلة كافية.
مما قد يؤدي لفشل حسم القضية وهروب الجناة من العدالة، حتى يضطر “كامل بك” وكيل النائب العام، إلى الإعتذار عن القضية بعد أن ظل يحقق 12 يوماً بدون جدوى.
على الفور كلف النائب العام”سليمان بك” رئيس نيابة القاهرة لإستكمال التحقيقات، والذي استطاع ربط خيوط القضية وحسمها بعد ثلاثة أيام من وصوله.
حيث استجواب ابنة ريا”بديعة” التي أقرت بمشاهدتها للجرائم، مع مواجهتها لريا أضطرب إلى الإعتراف، وانتهي بهم الأمر إلى أن اعترافوا بارتكاب هذه الجرائم.
مسارح الجريمة
البيوت التى شهدت الجرائم كانت أربعة وجميعها تقع قرب ميدان المنشية، كانت العناوين تحديداً، رقم 5 شارع حي كرموز، رقم 38 شارع على بك الكبير، رقم 6 و 8 حارة النجاة.
الضحايا
غالبية الضحايا عمل معظمهن في بيوت البغاء التى قامت ريا وسكينة بإدارتها سرا، بلغ عددهم 17امرأة، تم التعرف على 14 جثة منهن فقط، وباقي الجثث لم يتقدم بلاغ عن اختفائهن.
أسماء الضحايا، خضرة محمد، نظلة أبو الليل، عزيزة، نبوية، نبوية بنت جمعة، زنوبة موسى، فاطمة، أنيسة، سليمة الفقي، فاطمة عبدربه، فردوس فضل، والباقي مجهولين اللقب.
حكم المحكمة
عقدت المحكمة الجلسة الأخيرة من المحاكمة في 16 مايو 1921، تم توجيه تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد بدافع السرقة.
لكل من ريا وسكينة وحسب الله، ومحمد عبد العال، عرابي، عبد الرازق، حيث حكمت المحكمة عليهم بالإعدام شنقاً.
كانت هناك إثارة للجدل حول القضاء بإعدام سيدتين لأول مرة في المجتمع المصري، إلا أن النيابة استطاعت في مرافعتها إقناع المحكمة، إن قضية ريا وسكينة تخلو من أي مبرر للرأفة.
تنفيذ حكم الإعدام عليهم
لم تكد شمس يوم الاربعاء تشرق الموافق 21 ديسمبر 1921، حتى بدأ أعضاء هيئة تنفيذ حكم الإعدام يتوافدون على سجن الحضرة بالإسكندرية.
في الساعة السابعة ونصف اصطفت هيئة تنفيذ حكم الإعدام، كانت البداية بـ ريا حتى استمر نبضها لمدة دقيقتين بعد الإعدام وظلت معلقة لمدة نصف دقيقة.
بعد ذلك جاءت سكينة التي استمر نبضها لمدة 4 دقائق، بعد تنفيذ حكم الإعدام وظلت معلقة نصف ساعة أيضا، ثم بعد ذلك تم تنفيذ الحكم على حسب الله.
وفي اليوم التالي، تم تنفيذ الحكم على باقي المتهمين، عبد الرازق يوسف، محمد عبد العال، عرابي حسان.
روايات حول حقيقتهم
تعددت الروايات حول حقيقة ريا وسكينة، منهم من أكد أنهم كانوا يقتلوا ضباط إنجليز، وعندما اكتشف ذلك وكيل النيابة “كامل بك”، تم قتله وتولية وكيل نيابة القاهرة التحقيقات.
بعض الروايات أثبتت عدم حقيقة الرواية الأولي، لأن الجثث كانت نساء من خلال الحصول على شعر طويل و ذهب، وأن وكيل النيابة هو الذي أعتز ومات بعدها بعددة سنوات، حيث كانت هذه الرواية هى الأقوى في الأدلة.
دورهم في السينما المصرية
استوحت من قصة ريا وسكينة الكثير من الكتب والأعمال الفنية، التي وصلت إلى 12 عمل فني.
مسرحية ريا وسكينة إنتاج عام 1922، التي كانت من بطولة نجيب الريحاني و بديعة مصابني، فيلم ريا وسكينة إنتاج سنة 1953، بطولة “نجمة إبراهيم، زوزو حمدي، فريد شوقي، أنور وجدي،شكري سرحان.
عودة ريا وسكينة سنة 1972، كان من بطولة”مديحة حمدي، آخرون”، فيلم ريا وسكينة سنة 1983، بطولة”شريهان، يونس شلبي، حسن عابدين.
مسرحية ريا وسكينة سنة 2004، بطولة”شادية، عبد المنعم مدبولي، سهير البابلي، أحمد بدير”، مسلسل ريا وسكينة إنتاج سنة 2005، بطولة”عبلة كامل، سمية الخشاب، سامي العدل، صلاح عبدالله، رياض الخولي، أحمد ماهر”.
كان مسلسل ريا وسكينة، أول تناول القصة الأصلية الحقيقة للشخصيات والأحداث، برنامج بعنوان ريا وسكينة، تقديم هالة فاخر وغادة عبد الرازق.