سبب اختيار الله للعرب
سبب اختيار الله للعرب من بين الأمم واختصاصهم برسالة السماء من الأمور التي قد تشغل الفكر.
لماذا كان النبي الخاتم عربيا مع أن العرب كانت حياتهم في تلك الفترة بعيدة تماما عن الحضارة والتقدم ويغلب عليها التنقل والترحال؟
هذا السؤال شغل بالي كثيرا ولعله يراود فكركم أحيانا، مؤخرا ألح عليَّا وأخذت أفكر في سبب هذا الاختيار وقررت أن أبحث عن إجابة شافية لي ولكم.
سبب اختيار الله للعرب واستبعاد الفرس والروم
بداية تساءلت في نفسي لما لم يختار الله الفرس أو الروم وكلتاهما كانتا قوة عظمى وتخضع لسلطانهم الرقاب؟
لكن بعد قليل من التأمل في شأن جزيرة العرب وسكانها أتتني إجابة شافية وعرفت سر هذا الاصفاء الذي شرف الله به جزيرة العرب وأهلها.
سبب اختيار الله للعرب والطبيعة الجغرافية
لو أمعنا النظر في جغرافيا الجزيرة العربية وتكوين بيئتها لوجدناها يغلب عليها الطابع الصحراوي.
الرمال هنا وهناك والجبال المترامية الأطراف تحدها من كل ناحية. يغلب على المشهد صورة الرمال التي يندر وجود الزرع فيها، عدا بعض الحشائش التي تنمو عقب سقوط الأمطار.
أثر الطبيعة القاسية على النفس
هذه الطبيعة القاسية نوعا ما تعطي مجالا واسعا لصفاء النفس وحضور الذهن. ليس هذا فحسب بل إنها على الرغم من قسوتها الظاهرة تعلِّم الصلابة وتقوي البدن.
لهذا فإن من يحمل راية الدين الجديد لابد من أن يكون سليم العقل قوي الجسد يواجه المخاطر بلا قلق.
وكيف لا وهو الذي اعتاد منذ نعومة أظافره على مصارعة وحوش البراري والالتحاف بنجوم السماء والسفر في الطرق الوعرة.
البحارتفتح مجالا لنشر الرسالة
كما أن البحار التي تحف الجزيرة لم تجعل جزيرة العرب حبيسة، بل ساهمت في أن تكون مجالا مفتوحا للسفر ونشر الرسالة بسلاسة دون عوائق.
لهذا ساهمت طبيعة الجزيرة العربية وتكوين بيئتها بأن تكون ضلعا يعتد به في مسألة الإختيار.
حياة التنقل والترحال
الذي عاين البيئة الصحراوية عن كثب يرى أن العربي لم يكن مستقرا، بل يجوب الصحاري بحثا عن مواطن الكلأ والمرعى والماء.
هذه الطبيعة زرعت في العربي حب الانطلاق والاستكشاف وعلمته الفروسية على أصولها وهو بالضبط ما يحتاج له الإسلام.
رجال أقوياء يجوبون بتعاليمه بقاع الأرض رغبة كشف أسرار الكون ورؤية بيئات مغايرة للبيئة الصحراوية . كيف لا وكل بلاد الله صارت وطنا لهم وكل الأجناس أخوة لهم في الإنسانية.
النزعة الفلسفية لدى العرب
أما السبب الثاني فهو طبيعة العربي الذي وإن عاش في جاهلية يغلب عليها الأمية وعدم وجود نزعات فلسفية ممتدة من حضارات سابقة،
إلا أنه تمسك بالفضائل والمروءة والنخوة ونصرة المظلوم وإكرام الضيف وإغاثة الملهوف.
فَالعربي بطبعه كريم النفس يحمي الفضيلة ويغار على عرضه ويتفانى في الضيافة و يجير من استجار به بروحه.
كل هذه المعاني الإنسانية النبيلة جعلت من العرب اليد المناسبة لحمل مِشعل النور.
من تربى على إعانة الفقراء والمحتاجين هو الأجدر برفع الظلم عن الأمم التي تئن تحت وطأة الطغيان والعنصرية وفوضى العقائد.
كما أن العربي يتحلى بشجاعة حقيقية وحِمية في الحق لا مثيل لها، لهذا انطلق العربي فاتحا بدينه القلوب قبل الأبواب.
تعاليم الإسلام السمحة مع الصفات النبيلة جعلت من العربي فارسا بطلا على غير العادة، فلانت له القلوب ورغبت في اتباع منهجه.
اقرأ أيضا: قصف مدرسة التابعين
النزعة القبلية
أما الركيزة الثالثة، فكانت النزعة القبلية التي تعلى رابطة الدم وتحافظ على وحدة القبيلة وتماسكها.
نجح الإسلام في أن يحول تلك النزعة إلى رابطة الأخوة في الدين.
بدأت اللبنة الأولى لهذه الأخوة، عقب هجرة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم إلى يثرب ونجاحه في المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار.
نجاح الدين في تحويل النزعة القبلية إلى رابط أخوة
ذابت الفواصل كلها تحت راية الإسلام وتغلل هذا المبدأ في النفوس. أصبح المسلم يرى كل من دخل في دين الله أخاه تماما مثل أخوة الدم.
لهذا كان لأخوة الدين كل ما تقتضيه الأخوة الحقيقية من حيث الرحمة والنصرة والمحافظة على الحقوق.
خير دليل هو المؤاخاة بين عبد الرحمن بن عوف و سعد بن الربيع،
يحدثنا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه عما وصلت إليه هذه المؤاخاة فيقول: (لما قدمنا إلى المدينة آخى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بيني وبين سعد بن الربيع،
فقال لي سعد: إني أكثر الأنصار مالا فأقسم لك نصف مالي، ولي امرأتان فانظر أعجبهما إليك فسمِّها لي أطلقها،
فإذا انقضت عدتها فتزوجها، فقال عبد الرحمن بن عوف: بارك الله لك في أهلك ومالك، لا حاجة لي في ذلك، هل من سوق فيه تجارة؟
قال سعد: سوق قينقاع، قال فغدا إليه عبد الرحمن..) رواه البخاري.
تمعن في سماحة نفس سعد بن الربيع ورغبته في مقاسمة عبد الرحمن بن عوف كل ما يملك.
ولا يزيد المشهد روعة وجلالا سوى بعزة نفس بن عوف وشموخها، إذ رفض تماما مشاطرة أخاه.صدقا هذه الأنفس جديرة حقا بحمل راية الإسلام.
سلامة القريحة وقوة الحفظ
أما الركيزة الرابعة التي رجحت كفة العرب في رأيي، فهي سلامة القريحة وقوة الحفظ التي امتاز بها العربي.
العربي ليس بحاجة إلى قرطاس أو مداد، فذاكرته تسجل ما تسمعه وكأنه نقش على الحجر لا يزول بتقادم الزمان.
على الرغم من الأمية إلا أن العرب امتازوا بذاكرة فوتوغرافية قادرة على الحفظ والاستيعاب.
العربي كان يحفظ مائة بيت من الشعر بمجرد سماعه للمرة الأولى دون الحاجة لتلقين أو ترديد.
لهذا كان العربي أجدر بحفظ كتاب الله وحمل رسالة السماء دون خوف من تحريف أو تبديل أو سهو.
من أجل ذلك ظل كتاب الله تماما كما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم دون زيادة حرف واحد أو نقصانه.
الحالة الإقتصادية
فكرت كذلك في الحالة الاقتصادية قديما عند أهل الجزيرة لم تكن مترفة في بذخ مقيت،
بل كانت الأحوال المعيشية عند سادة العرب تميل إلى الوسطية.
أما الغالبية من أهل الجزيرة فقد امتازت حياتهم بالتقشف، مما جعلهم الأجدر على الصبر على المصاعب وتحمل المشاق.
لهذا خرج المسلمون في غزوة مؤتة عن بكرة أبيهم دون تردد، لملاقاة أقوى الجيوش حينها، مع أن عددهم وعتادهم قليل جدا مقارنة بعدوهم.
حتى أن الجيش عُرف باسم جيش العسرة ، كما وقت الغزوة جاء في وقت شديد الحرارة.
النعيم والنعومة والحياة المترفة التي انتشرت في الأمم المحيطة بالعرب عجلت بظهور الفساد الذي قادها للزوال.
ختاما
هذه كانت الأسباب التي لفتت نظري، وشعرت أنها ميزّت العرب وجعلتهم أهلا لحفظ الرسالة ونشر دين الله من أقصى المشرق إلى المغرب، دون جذع أو خوف أو ملل.
تابعونا على صفحتنا في فيسبوك من هنا
يمكنكم متابعتنا على يوتيوب من هنا