\
مقالات

اللغة الرقمية وتأثيرها على النشء

كتبت: إيمان حامد

 

اللغة هي الأداة الأكثر تأثيرًا في فعل الإنسان، وهي أيضا الفعل الأساسي والمعبر عن البشرية على مدار التاريخ.
فالخطاب اللغوي مهما اختلفت أساليبه وأغراضه وأهدافه، إلا إنه في النهاية وسيلة تواصلية لأي قضية أو موضوع ما؛ لذلك كانت اللغة أداة عابرة لكافة الأشياء، سواء في عالم الإنسان أو غيره من المخلوقات.

يمكن للإنسان استخدام اللغة لممارسة كافة ألوان الإبداع، ويمكن من خلالها الاعتراض والرفض لكافة مفردات الواقع،
وإذا كانت اللغة -بوصفها ميزة إنسانية- لها دلالات على وحدة الإنسان، فإن اختلاف الألسُن وتعدد مستويات الكلام هو ما يحيل على الكثرة فيه، فالإنسان من جهة كونه “حيوان رامز”.

وقد أكد الفيلسوف الألماني “أرنست كاسيرير” على أنه يطمح إلى تشييد نظام رمزي يوسع من عالمه، ويتسنى من خلاله بعد جديد، ويتحد تحته من أجل تحقيق التواصل الإنساني في البعد الاجتماعي.

إن اللغة بنية رمزية نعني من خلالها العالم، وهي تتوسط العلاقة مع الآخر إما وصلا أو فصلا، حسب طرق توظيفها، وتكشف وجودي للعالم ككينونة رمزية، ووجود لغوي، بحيث تتحول إقامة الإنسان من السكن في العالم الطبيعي إلى الإقامة في العالم الرمزي كما أنها فاعل مؤثر ومحوري في كافة القضايا.

فهي خطاب متعدد الأهداف والأغراض أو يمكن لها أن تشكل وعيًا وتصورات عديد من الأفكار، اللغة هي الوعاء الوحيد الذي يمكن من خلاله احتواء أي قضية والتعبير عنها، وقد تكون وسيلة وقد تمارس سلطاتها علينا ونحن لا ندري عندما تمارس عنادها وسلطاتها المتعددة التي تخرج من بنائها المفعم بالدلالة.

في ظل عصر الرقمنة و تحول اللغة إلى أداة فاعلة في العالم الرقمي، فإن اللغة يمكن أن تكون سلوكا إيجابيا أو سلبيًا يُمارِس سلطاته على الأجيال الصغيرة التي أصبحت وعاءً لتلقي كافة ما يُلقَى عليها، حيث إن الربط بين اللغة والسيكولوجي في ظل الرقمنة من المسارات التي لا يمكن الفصل بينها، فلا يمكن الفصل بين مخاطبة اللغة للعقل وبين تأثير تلك اللغة على العقل.

كما أن عقل الناشئة يواجه خطابًا لغويًا رقميًا رهيبًا، يعمل على تشكيله وبناء مفرداته بصورة دقيقة في كافة الجوانب، قضايا سلوكية كالتوحد وتعديل السلوك والتخاطب، كلها نتاج لغة رقمية تفاعلت مع بنية العقل المسطح الأبيض الفارغ الذي لم يُنْقَش فيه أي شيء إلا هذه اللغة الرقمية.

لهذا فإننا بحاجة إلى تحصين الأطفال والناشئة حيال الخطاب اللغوي الرقمي السلبي، والخطأ الذي يسعى إلى هدم مجموعة من القضايا المهمة منها ما يتعلق بالقيم والأخلاق ومنها ما يتعلق بالسلوك لدى هؤلاء الأطفال حيال أنفسهم وحيال المجتمع من حولهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى